رغـــــــــم ذلك رحلتي يا مي -ادخل و افراء-

في ذلك اليوم في ذلك المساء الحزين صُنعت هذه الذكرى

كنت صغيرا وكان قلبي صغيرا أصغر من أن يتحمل فقد قطعة أخرى منه

على طول الطريق من المدرسة الى البيت كان ذو السبعة أعوام يبطء خطواته

خطواته المتثاقلة كان في الصباح قد ودعته أمه في منتصف الطريق

من المرض لم تستطع توصيله كما اعتادت وهي التي حملت همه منذ فقد والده

في حادث مرور

ودعته وقالت اعتني بنفسك سأجري فحصا في المستشفى وأعود للبيت

وسأتخفى وراء الباب وأول ما تدخل سأفاجئك حتى ترتبك

و غادرت التفت فوجدتك واقفة تبتسمين عدت واحتضنتك بقوة

أول مرة رأيت دموعك وأنت التي لم تبك في أقسى الظروف

وقلت :هيا إذهب ستتأخر

ذهبتي وكان المرض الخبيث يثقل خطواتك ووجهك شاحب

عندما عدت مساءا كان كل من في الشارع ينظر إلي

المنزل كان عامرا بالناس دخلت فقابلتني جدتي بدموعها وصراخها

واحتضنتني سألتها ماذا حدث

فضمتني إليها طويلا وهي تشهق

سألتها أين أمي

فقامت وقادتني الى غرفة أمي وأشارت بيدها إلى شخص مغطى برداء أبيض

سألتها أين أمي

فرفعت الرداء فإذا وجه يشبه وجه أمي

وصاحت جدتي هذه أمك أمك ياولدي

وقفت والدهشة تغمرني وقلت

لا هذه ليست أمي ..... أمي ستأتي بعد قليل من المستشفى

خرجت أجري حتى وصلت آخر الشارع حيث تعودت انتظارك

بعد عودتك من العلاج من المشفى

جلست أنتظرك كان خالي يحاول إرجاعي الى البيت فلم أطاوعه

حاول حملي ليأخذني لكن رفضت وانا أصرخ سأنتظر أمي

بعد أن عجز صاح خالي في وجهي والدموع تنسكب من عينيه قائلا

أمك لن تعود أمك ماتت

لم أصدقه وتذكرت أنك يا أمي قلتي في الصباح ستتخفين خلف الباب لتفاجئيني

كعادتك فعدت إلى البيت ولم أجدك خلف الباب

دخلت الى الغرفة ورفعت الغطاء عن وجهك وبكيت وقبلتك وحاولت إيقاظك كما تعودت

ان ألعب معك .... ولم أصدق أنك ميتة فقط كنت نائمة

وسمعتهم يقولون علينا الاسراع في دفنها

وعدت وجلست عند آخر الشارع أنتظرك

سارت الجموع تحمل صندوقا الى المقبرة لم أصبر فلحقت بهم رأيتهم يصلون

ثم رأيتهم ينزلونك في القبر رأيت وجهك ولم أصدق أنك أنت

عدت الى البيت بحثت خلف الباب فلم أجدك

دخلت المطبخ لعلك تمازحيني وتلعبي معي وتطعميني بيدك فلم أجدك

بحثت في الشرفة فقد تعودت أن أشاغبك وأهرب واتخفى بين الغسيل فلم أجدك

دخلت الى غرفتك كانت ثيابك منزوعة فوق السرير

فتوقعت أنك في الحمام ولم أجدك

عدت الى آخر الشارع أنتظر ثم رجعت الى المقبرة كانو قد أنهو دفنك

فسألت نفسي ماذا أفعل هنا

أمي ستأتي ولن تجدني في انتظارها

عدت لأخر الشارع وكان الظلام يخيم فانتظرتك لكنك لم تأتي

ورفضت العودة للبيت رغم إلحاح أخوالي

جاءت جدتي و جلست معي وأخذت تحكي

قلت إن أمك ذهبت الى المستشفى للعلاج كالعادة

لكن حالتها ساءت فالورم الخبيث تمكن من جسمها

وأنها كانت تعرف أنها ستموت بسبب المرض لأن الأطباء قالو أن لاأمل

وأنها كانت دائما تتألم

وأنها أوصتها بالإعتناء بي

وأن آخر كلامها كان عنك

وأنها طلبت أن تسامحها

فصرخت في وجه جدتي أنت تكذبين

وسقطت مغشيا علي من كثرة الصراخ

بعد أن استفقت وجدت نفسي نائما في سريرك

وتيقنت بأنك رحلت

في الأول كان أبي ثم رحلتي

وعرفت أنك لن تتخفي وراء الباب لتفاجئيني أبدا

وأنك لن توصليني الى المدرسة ابدا

وأنك لن تتفقديني في الليل أبدا

وتيقنت أن من أنزلوها في القبر كانت أنت يا أمي

يا أمي لماذا تركتيني صباحا وقلتي ستتأخر على المدرسة

لماذا لم تتركيني بين أحضانك

من سيحضنني بعدك يا أمي من سيمشط شعري من سيغمض عيني ويلعب معي

كبرت اليوم أتخيلك يا أمي دائما وما جبنت يوما إلا من أجلك ولم أغدر أحدا إلا لأنك ربيتني

وزرعت في أخلاقك

عندما عرفتي أنك ستموتين لماذا لم تقتليني حتى لاأرى الحياة بعدك

لماذا كنت تخفين مرضك وألمك عني يا أمي

لماذا كنت تبتسمين والمرض يقتلك

لماذا لم تقولي أنك ستموتين حتى أملأ عيني وأتنشق الحنان من حضنك يا أمي

أشتاق اليك وخلف كل باب أتخيل أنك وراءه

ما نسيتك أبدا يا أمي ولم أحب امرأة غيرك