الآن·· وعندما نتحدث عن الحب·· هل يجب أن نبدأ بكلمة “كان”؟
للنقاش ؟
****
(1)
كان الحب إحساساً جميلاً
كان الحب طائراً أخضر
كان الحب حلماً ملوّناً
كان الحب مفاجأة جميلة
كان الحب قدراً عظيماً
كان الحب عاطفة مشتعلة
كان الحب واحة أمان
كان الحب شاطئاً دافئاً
كان الحب اجتياحاً واحتياجاً
(2)
هكذا كان الحب في زمانهم
فكيف أصبح الآن؟
وما هي ملامح الحب في زماننا هذا؟
فحكاياتنا لا تشبه حكاياتهم
وأحلامنا لا تشبه أحلامهم
وطموحنا لا يشبه طموحهم
وأحزاننا لا تشبه أحزانهم
وذنوبنا لا تشبه ذنوبهم
فزمانهم كان زمن الحلم الجميل والإحساس النقي
وزماننا زمن الحرب والرعب والهزيمة بلا حدود
(3)
وقنابلهم لا تدمِّر أوطاننا فقط
إنها تدمر حتى الإحساس فينا
فالرعب
والقلق
والضعف
والشعور بالانكسار
والصمت المقيت
كلُّها أحاسيس تتسرّب إلينا على غفلة منا
وتنشر سمومها في أحاسيسنا الجميلة
(4)
أصبحنا أبناء الخوف
وأصبح الخوف هو الإحساس الأقوى والأوضح لنا
فنحن نخاف أن نحبهم
ونخاف أن لا نصل إليهم بعد الحب
ونخاف أن نفقدهم بعد أن نصل
ونخاف من الفراق
ونخاف من الغدر
ونخاف من الضياع
ونخاف من الفراغ
ونخاف من لحظة نفقد فيها كل إحساس فينا·· حتى الخوف
(5)
كان الحب في زمانهم مفاجأة جميلة
قد تفاجئهم في كل لحظة من لحظات عمرهم
وقد يضحّون بما تبقَّى من العمر من أجل تكرار هذه المفاجأة وهذا الإحساس
ولديهم قدرة خارقة على الوفاء لأحاسيسهم
ويتمسكون بأحلامهم كالطوق الأخير للنجاة
(6)
ومع الأيام، بدأت أضواء المفاجأة تخفت وتنطفئ
فتحول الحب في زماننا إلى قرار مسبق
وتطفل الاختيار على مشاعرنا
فأصبحنا نحب بعد اختيار
ونحلم بعد قرار
ونغيِّر الاختيار بتغيُّر الظروف
ونتراجع عن القرار بتراجُع الأسباب
(7)
هذه ليست نظرة متشائمة إلى الحب والعلاقات الإنسانية
لكنها واقع يحيط بنا ويلاحقنا كالظل
واقع أصبح من الصَّعب تجاهله
ومن الغباء إخفاؤه أو تجميله أو إخفاء عيوبه
(8)
لكــن··
هناك حالات استثنائية
ومن الظلم أدراجها في دائرة الحب المسبب
فمازال هناك مَن يحب من أجل الحب فقط
ومازال هناك مَن يحلم بصدق ويصنع له في الحلم عاماً خاصاً به
ومازال هناك مَن يخلص لإحساسه وأحلامه
ومازال هناك مَن يؤلمه الفراق وينحت فيه الغياب
لكن، للأسف
هؤلاء أصبحوا قلَّة·· بل ندرة·· وربما انقرضوا قريباً
(9)
سؤال أخير:
أين ذهب الحب؟
هل مات؟
ومَن قَتَل الحب؟ ولماذا؟ وكيف؟ وأين؟
أم أنه مازال على قيد الحياة
يختبئ في قلوب أولئك الأنقياء الذين مازالوا يدركون القيمة الحقيقية للحب؟
قبل أن يُرعبنا الصباح
يا أنت الذي أصبح أنا
أيُّها القادم من زمن الحب
حاملاً في يديك باقة ورد
وفي قلبك مدينة شامخة من الأحاسيس
تقف تحت نافذتي
تغني لي مواويل الشوق والعشق
ترسم لي عصافير الأمل
تُظللني بأشجار الأمان
تمنحني ما لم يمنحه رجل لامرأة فوق هذه الأرض
قل لي:
في مثل هذا الزمان·· مَن مثلك أنت؟
وبعد أن أرعبنا الصباح
لا تسيئوا الظن في الحب
لا تفقدوا ثقتكم الجميلة به
تفقَّدوا وجهه الحقيقي
ابحثوا عنه إن تأخر
اسألوا عنه إن غاب
حتماً ستجدونه·· فلا شيء يُبيد الحب.