ملف الضحى فجر سباقا محموما بين أقطاب المال و السياسة

طفا إلى سطح بركة المشهد المغربي ملف من أكبر ملفات الريع الاقتصادي، هو ملف مجموعة الضحى لمالكها أنس الصفريوي، و الذي نفخ ريشه و زاد في ثروته على حساب أملاك الدولة، التي فوتت له بطريقة سرية و دون الإعلان عنها و بأثمان رمزية، مقارنة مع حجم الأراضي و مواقعها و حجم الاستثمار الضخم الذي يعود على أنس الصفريوي بأرباح خيالية، و يحرم بذلك الدولة من مبالغ بالملايير

و ملف الضحى بقدر ما كشف تورط الكثير من رموز السلطة، بقدر ما خلق انقساما داخل الجسم الإعلامي، فطرح الملف أول مرة لم يتجرأ عليه أحد مخافة قطع عائدات الإشهار و خوفا من فتح جبهة خطيرة، لكون رجل مثل الصفريوي يحظى بعلاقات نافذة في الدولة، و لكم أن تتخيلوا ماذا يمكن أن يفعل رجل مثل هذا في بلد تحكمه يغيب فيه القضاء المستقل، و تحكمه لوبيات المصالح و الريع الاقتصادي.

يومية المساء كانت أول من اقتحم الملف مسلحة بالأدلة الدامغة و الوثائق الصحيحة، ومن تم تبعتها بعض الصحف، و دخل على الخط القطب المالي و العدو اللدود للصفريوي ميلود الشعبي، لكي يحرك الملف داخل بركة البرلمان النائمة... ليأخذ الملف منحى آخر، و ينقسم المشهد برمته إعلاميا و سياسيا إلى قسمين : قسم يدعو لمحاسبة الصفريوي و من ساعده على ذلك، و قسم يرفض الخوض في الملف بدعوى أنه مجرد صراع رجال أعمال بين الشعبي و الصفريوي.


و انطلقت الغزوات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين، فهناك من اتهم جريدة المساء بأنها تابعة للشعبي، و الجريدة تنفي بشدة و يكشف مدير تحريرها عن محاولة سابقة للصفريوي لشراء مقاولة المساء ميديا غير أن طلبه قوبل بالرفض، كما أن الجريدة فسخت عقد الشعبي للإشهار كما فسخت عقد الضحى.


أمام هذا الإنقسام تطرح أمامنا قضية مهمة جدا هي علاقة الإعلام بالمال، فالمعروف أن رأس المال جبان بطبعه، لذا و في كل مكان من العالم تجده يتمترس خلف وسائل الإعلام بغرض تحصين نفسه من سهام النقد و المحاسبة، و هذا ما بدا جليا في انتخابات فرنسا الأخيرة حيث وقفت وسائل إعلام مدعومة من شركات عملاقة بجانب "ساركوزي" و خاضت حربا شرسة ضد منافسته "سيغولين روايل"، هنا يفقد الإعلام مصداقيته و أخلاقيات المهنة لأنه يصير مسلوب الإرادة و يبقى رهين إملاءات أصحاب المال و سطوتهم و شيكاتهم المنفوخة.


و في قضية الضحى ظهرت بعض الأصوات الإعلامية المساندة للصفريوي، و الرافضة لتحريك الملف في البرلمان حيث كتبت نادية صلاح رئيسة تحرير جريدة «ليكونوميست" أن خضوع عباس الفاسي لمطلب تأسيس هذه اللجنة سيكون فاجعة. أما لماذا وقفت نادية صلاح هذا الموقف؟ فالجواب يمكن أن نعثر عليه في ركن صغير من أحد الأعداد الأخيرة لمجلة «لوجورنال»، حيث نقرأ عن «احتمال» شراء الصفريوي مدير الضحى لأسهم في شركة «إكوميديا» التي تملك «ليكونوميست» و«الصباح» و«راديو أطلنتيك». إلى حدود اليوم لم يصدر عن «إكوميديا» أو مجموعة الضحى ما يكذب هذا الخبر. مما يعني أنه «قد» يكون صحيحا.

ولعل ما شجع الصفريوي على استثمار أمواله في الإعلام، هو رؤيته لعدوه اللدود ميلود الشعبي يشتري أسبوعية «الحياة» لكي يحولها قريبا إلى يومية. ورؤيته لعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، وراء مجموعة «كراكتير» التي تصدر «لافي إكونوميك» الاقتصادية المتخصصة ومجلات نسائية بالفرنسية والعربية. ووسط هذا «السباق نحو التسلح»، نعثر على كاتب الدولة في الداخلية السابق فؤاد علي الهمة، وهو يستعد لإصدار جرائده الخاصة. كما نعثر على رأسماليين وبنكيين كبار يستعدون لإطلاق قنواتهم التلفزيونية وإذاعاتهم الخاصة.


ملف الضحى لم يكون سوى حجر صغير رمي في بركة آسنة، فطفت للسطح مظاهر كان أبرزها السباق المحموم بين أقطاب المال و السياسة بالبلاد نحو التسلح بوسائل الإعلام، درءا لأي موجة محاسبة تستهدف كشف فضائحهم، كما فعل عميد فاس... ليبقى السؤال المطروح في الختام : إذا تحولت الصحف و باقي وسائل الأعلام الى مجرد أبواق لرجال المال و السياسة فمن سيُسمع صوت الشعب و يدافع عنه.

أبو أروى